ظهرت في أوائل الستينات من القرن الماضي (العشرين) منظمات وحركات طلابية تعمل في أوساط التجمعات الفلسطينية، كحركة القوميين العرب، حزب البعث العربي الإشتراكي، حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وجبهة التحرير الوطني الفلسطيني وغيرهم.

تأسست جبهة التحرير الوطني الفلسطيني (ج. ت. ف.) في قطاعات التعليم المدرسي الثانوي، ومن ثم انتشر صداها في أوساط الجامعات.  كان هدف الجبهة في تلك المرحلة هو المحافظة على فلسطين في ذاكرة الأجيال. و مُنِعَ أعضاؤها من الانخراط في الأحزاب السياسية الأخرى وكانت تحرص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والبلدان التي كانوا يقيمون فيها.

ج. ت. ف.: حراك... تواصل... إنتخابات...  

رأَت ج. ت. ف. أن تُشَكِّل لها نافذة إعلامية وشبكة إتصالات مع الآخرين من خلال المشاركة في أنشطة الإتحاد العام لطلبة فلسطين والذي تأسس في القاهرة.  قررت ج. ت. ف. المشاركة في إنتخابات عام 1965م لاختيار أعضاء المؤتمر الرابع للإتحاد المذكور، حيث شاركت في إنتخابات فروع الإتحاد في مصر، لبنان، العراق، يوغسلافيا، تركيا وألمانيا الغربية (وقتها). ولقد تم في الأسكندرية تشكيل قائمة من 26 عضواً حيث فازت بالكامل. بينما في أسيوط والقاهرة، قامت بتشكيل قوائم إنتخابية مشتركة مع جهات أخرى، حيث فازت قائمة القاهرة وعدد أعضائها 37 عضواً، كما فازت الجبهة في كل من فروع العراق وتركيا ويوغسلافيا (علي أبو العدل و زملاؤه). في لبنان، كانت نتيجة الإنتخابات مناصفة بين حركة القوميين العرب (أسعد عبدالرحمن) والجبهة (إبراهيم حجاوي). أما في ألمانيا، فكان نصيبها 11 عضواً، حيث فازت فتح بـ 10 مقاعد بقيادة هاني الحسن، وفاز عضو ج. ت. ف. علي نخالة.

المؤتمر الرابع للإتحاد العام لطلبة فلسطين في القاهرة في خريف 1965م... 

إنطلاق فعاليات... نشاطات... حضور نسائي... مفاجآت... رمي كراسي وفوضى...


 الصف الأول: الأول من اليسار، تيسير قبعة. الثالث من اليسار، أحمد الشقيري. في الوسط، وزير الشباب والرياضة المصري. 

الصف الرابع: الثاني من اليمين بالنظارات، إسماعيل الجُندي (مُشار له بسهم أخضر أدناه)

 


إنطلقت فعاليات المؤتمر الرابع للإتحاد العام لطلبة فلسطين في قاعة غرفة التجارة في منطقة العتبة في القاهرة في 6 كانون أول/ديسمبر 1965م. ولقد حضر حفل الإفتتاح أحمد الشقيري وبعض أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف.) وقام وزير الشباب المصري وقتها بتمثيل الرئيس جمال عبدالناصر. 

كنْتُ عضواً في وفد الأسكندرية والذي حصل بالصدفة، وحضرت المؤتمر ولم يكن لي أي مهمات معينة خلال فعالياته.  قبل إنعقاد المؤتمر، عرفنا أنه سيتم إخراج ممثلي حركة القوميين العرب من اللجنة التنفيذية للإتحاد بهدف منعهم من تحمل أي مسؤولية من الإتحاد، وبأن يتم ذلك برفض تقرير اللجنة التنفيذية أثناء المؤتمر. في يوم الإفتتاح، تم إنتخاب هاني الحسن من حركة فتح رئيساً للمؤتمر... كان ذلك مفاجأة! كان الحسن وقتها يُشرف على مجلة "فلسطيننا" والتي كانت تُهاجم سياسات مصر، وانتشرت شائعة وقتها مفادها أن أعضاء حركة فتح في المؤتمر سيتم منعهم من دخول مصر للمشاركة في المؤتمر، واتضح عكس ذلك وبدأت عملية التصويت على قرار اللجنة التنفيذية للإتحاد، وتصويت أعضاء وفد الأسكندرية الذي بدأ بالتصويت رافضاً التقرير المذكور... لحظات وبدأت تتساقط وتنهال الكراسي من شرفات القاعة على رؤوس الحضور وبدأت حالة من الفوضى تعج المكان... وأذكر جيداً من هؤلاء الذين كانوا يرمون ويقذفون الكراسي علي قبعة (شقيق تيسير قبعة). كانت فوضى مصحوبة باستعمال الشتائم والألفاظ النابية، وعليه تم رفع الجلسة، وتغَيَّب الحسن عن المؤتمر تماماً.

 

صورة جماعية على هامش المؤتمر الرابع للإتحاد العام لطلبة فلسطين في 12 كانون أول/ديسمبر 1965م مع عدد من المشاركين. 

الجالسون: الثاني من اليسار، إسماعيل الجُندي. الواقفون: الصف الأول، الثاني من اليسار، إبراهيم حجازي من فرع لبنان، الثالث من اليسار علي أبوالعدل من فرع يوغسلافيا.  أقصى اليسار في الأعلى وقوفاً، ماهر الجاعوني. 

إنقسام المؤتمر الرابع...

تسببت تلك الأحداث المؤسفة إلى إنقسام المؤتمر على نفسه، ولم يتم تشكيل لجنة تنفيذية حسب قرار أغلبية أعضاء المؤتمر. بعد أكثر من شهرين خلال الربع الأول من عام 1966م، تم الإعلان عن تشكيل لجنة تنفيذية على النحو التالي:

4 أعضاء من ج. ت. ف.، هم:

عبدالقادر ياسر

حمد حجاوي

إياد السرَّاج

مفلح أبوسويرح

3 أعضاء من حركة القوميين العرب، هم:

تيسير قبعة

سعيد كمال

شريف الحسيني

1 عضو من حركة فتح، هو

هايل عبدالحميد (أبوالهول)

1 عضو من المستقلين، هو

محمد صبح، والذي تم تعيينه أيضاً رئيساً للمؤتمر

 حضور نسائي...

تميز المؤتمر بحضور نسائي كبير ومميز، مما يؤكد على دور مشاركات ومساهمات المرأة في العمل الشعبي والوطني والقومي والإنساني.  أذكر من أسماء هؤلاء السيدات:

- ليلى حجاب من بيروت

- نها العلمي من القاهرة

- رندة الشوا من القاهرة

- رشدية محمود الخطيب من القاهرة

ترتيبات ومناورات...

حسب إدراكنا للأمور وقتها، لم نفهم طبيعة ما كان يجري من مناورات وترتيبات بين كثيرين من الحضور والمشاركين، ولكن إتضح لاحقاً، أن هذا قد تَمَّ من جهة عربية كبيرة لها ثقلها، كانت ترى ضرورة المحافظة على وحدة التنظيمات الشعبية الفلسطينية، وبالتالي وحدة منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة أحمد الشقيري، ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني، وبالتالي سار اعتقاد قوي لدى تلك الجهة بأهمية وضرورة إحتواء حركة فتح في المنظمة وليس عزلها تماماً. وفي إعتقادي، أشرف الدكتور / أحمد صدقي الدجاني، على هندسة ذلك، حيث كان يترأس دائرة التنظيم الشعبي وكان عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، كما أن توجهاته الفكرية والسياسية كانت متوافقة مع السياسة المصرية الناصرية.

تيَّاران في المشهد العربي

ساد العالم العربي في تلك الحقبة تياران يتعلقان بفلسطين وقضيتها...

التيار الأول: دول الطوق (سورية، لبنان، الأردن، مصر)، حيث تُشَكِّل دولة الوحدة الاساس العملي لتحرير فلسطين، خاصة بعد الانفصال الذي حصل مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسورية).

التيار الثاني: جهات لا تثق بدول الطوق، وتريد جَرِّها إلى الحرب بفرض الأمر الواقع، وفي هذا السياق، أُجْبِرَ جمال عبدالناصر على سحب البوليس الدولي من خليج العقبة، وبسببه الظاهري، شَنَّت "إسرائيل" حرباً مباغتة مفاجئة شاملة في 5 حزيران/يونيو 1967م، كانت نتيجتها ما أُطلِق عليه إسم "النكسة"، حيث كانت مُذِلَّة للعرب وهزيمة ساحقة لهم، إحتلت فيها "إسرائيل" قطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس وكامل شبه جزيرة سيناء المصرية حتى وصلت إلى حافة قناة السويس، كما وصلت إلى مشارف مدينة دمشق.

إرتدادات نكسة 1967م

 

بعد "نكسة" 1967م، ظهرت على السطح منظمات وتنظيمات وحركات تدعو/تدَّعي القيام بالعمل الفدائي المسلح، وبينما كانت ج. ت. ف. تُرَكِّز عملها على النواحي الفكرية والأعمال البحثية وجمع المعلومات عن النشاطات الصهيونية في الأراضي المحتلة، إضطرَّت ج. ت. ف. بعد النكسة إلى تشكيل وحدة قتالية فدائية صغيرة تم إطلاق إسم "قوات الشهيد عبدالرحيم محمود" عليها نسبة إلى الشاعر والمجاهد عبدالرحيم محمود (والد / الطيب عبدالرحيم) من قرية عنبتا – قضاء مدينة طولكرم، والذي استشهد في معركة الشجرة، حيث كانت تلك القوات تمارس نشاطاتها الفدائية في منطقة الأغوار، وكانت كغيرها تقوم بإطلاق طلقات مدفعية في إتجاه الأراضي المحتلة.  لكن في المقابل، ظهرت على الساحة وللأسف، أعمالاً لا تُجدي نفعاً، بل أن بعضها كان يخدم أهدافا وأجندات سياسية لبعض الأنظمة/الدول العربية.

القرار الصعب...

 

وفي هذا السياق، تم الإتصال والتواصل مع منظمة فلسطين العربية برئاسة أحمد زعرور وشباب التيار (تيار شبابي قومي عربي ناصري) برئاسة أحمد صدقي الدجاني وكذلك عضو بارز فيها، غازي فخري، بهدف التنسيق... كما رأت ج. ت. ف. من جهتها أن تدرس المستجدات بعمق... إما الإستمرار بهذا النوع من العمل أو التوقف والإنسحاب... بعد مداولات ونقاشات مكثفة وعميقة داخلية، رأت الأغلبية أنه يجب حَلْ الجبهة... وعليه، فلقد توقف العمل وتم حَلْ جبهة التحرير الوطني الفلسطيني (ج. ت. ف.) وتم إيداع المبالغ المتوفرة لديها بإسم إسماعيل الجُندي في بنك الكويت الوطني في الكويت. لاحقاً، تم سحب المبلغ وتسليمه إلى جواد يونس والذي قام بتوفيرها كمساعدات وإعانات لعائلات زملاء اعتقلتهم قوات الإحتلال في الضفة الغربية... وهذا ما كان...     

---

أسماء لشخصيات من ج. ت. ف. أتذكرها:

أحمد السعدي

محمد بركات

عصام حامد

حسين رشيد

علي مشعل

محمود مشعل

جمال صادق

عبدالعزيز الحاج أحمد

محمود أبوغربية

ماهر الجاعوني

إسماعيل محمود الجُندي

بركات الشجراوي

أمين الشجراوي

فتحي أبوعرجة

محمد المجذوبة

عبدالعزيز أبوشمالة

فريح أبومِدِّين

فايز أبوجابر

يونس الكَتَري

حسن الأسعد

خالد عليَّان

أحمد محمود مرعي

جواد يونس

عادل مسامح

عبدالرحمن أبومرعي

حسني محمود

طوقان يوسف طوقان

حسام الطاهر

---